نميل نحن الأمهات إلى الرعاية، تقديم الدعم، تسهيل كل شيء على أبنائنا، تخفيف الحمل عنهم في كل حين، ونكون بذلك نقدم لهم السند في تلك اللحظة، لكننا نجني عليهم في مدى أبعد. لا يقل الآباء عنا محبة وعطفا، لكنهم يميلون على النقيض منا إلى وضع أبنائهم في مواقف تستخرج قدراتهم من مكامنها، تتحداهم، تختبرهم، تدفعهم للتحرك، للقيام، لفعل ما عليهم فعله بأنفسهم، ويكونون بذلك يضعونهم في موقف صعب في تلك اللحظة، لكنهم في مدى أبعد، يُعِدونهم للحياة الحقيقية والواقعية، التي شئنا أم أبينا، سيكون عليهم مواجهتها بأنفسهم، أولا وقبل كل شيء، لا بنا.
علينا نحن الأمهات أن نتحكم بعاطفتنا الغزيرة وعطفنا الدافق، وأن نفسح أيضاً المجال للأب، ليأتي بالتوازن ويقيم ما لا يستقيم إلا بدوره في التربية، وما التربية سوى إعداد أبنائنا للحياة.
علمت دائما بوضوح أن هدفي من تربية غسان هو أن أمنحه الوسائل، لا أن أكون عصاه السحرية لينال كل ما يريد من خلالي. أن أهديه أولا وقبل كل شيء تربية تجعله يجد في نفسه ما يعينه على الحياة الحقيقية ويدفعه فيها إلى الأمام فيسير فيها مثابرا يصقل ذاته كل حين ويسعى لبلوغ أفضل مقام ممكن من الرضا عنها. لكنني حقيقة ما زلت أفتش عن الوسائل والسبل وأتساءل عنها كأعمى يطلق يده في العتمة ليجد ضالته. ليس من السهل مطلقا أن نتعامل مع هذه المسؤولية العظيمة ونحن نراقب ونسائل ذواتنا بنوازعها، نواقصها، هواجسها، والأخطر : تمثلاتها ومسلماتها.
أشارككم هذه الخواطر، لتنتبهوا إلى أننا ربما نكون بحاجة إلى مساءلة هذه الذات في رحلتنا مع أبنائنا بقدر ما نحن بحاجة إلى العثور على الوسائل. هذه الأسئلة تجعلنا نصحح المسير باستمرار، لتترجَم تطلعاتتا إلى واقع، بدل أن تظل حبيسة الخيال تعيقها أولا نوازعنا الذاتية ونواقصنا الخفية المتسللة إلى سلوكنا اليومي عبر جسر المسلمات، كوننا قليلا ما نتساءل بأي حق صارت مسلمات؟ وهل تستحق هذه اليقينية التي رفعناها بها إلى مقام الاعتقاد؟
#رحلتنا_مع_غسان
Add Comment